المتابعون

الخميس، 17 ديسمبر 2015

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

                                                          بسم الله الرحمن الرحيم
                                                من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
فان للشهوات سلطانا على النفوس واستيلاء وتمكنا في القلوب فتركها عزيز والخلاص منها عسير ولكن من اتقى الله كفاه ومن استعان به اعانه: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وانما يجد المشقة في ترك المالوفات والعوائد من تركها لغير الل
ولا ينافي التقوى ميل الانسان بطبعه الى الشهوات اذا كان لا يغشاها ويجاهد نفسه على بغضها بل ان ذلك من الجهاد ومن صميم التقوى ثم ان من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه والعوض من الله انواع مختلفة واجل ما يعوض به: الانس بالله ومحبته وطمانينة القلب بذكره وقوته ونشاطه ورضاه عن ربه تبارك وتعالى مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا ومع ما ينتظره من الجزاء الاوفى في العقبى
                                        نماذج لامور من تركها لله عوضه الله خيرا منها:
1 من ترك مسالة الناس ورجاءهم واراقة ماء الوجه امامهم وعلق رجاءه بالله دون سواه عوضه خيرا مما ترك فرزقه حرية القلب وعزة النفس والاستغناء عن الخلق { ومن يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله }
2 ومن ترك الاعتراض على قدر الله فسلم لربه في جميع امره رزقه الله الرضا واليقين واراه من حسن العاقبة ما لا يخطره له ببال
3 ومن ترك الذهاب للعرافين والسحرة رزقه الله الصبر وصدق التوكل وتحقق التوحيد
4 ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له امره وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة
5 ومن ترك الخوف من غير الله وافرد الله وحده بالخوف سلم من الاوهام وامنه الله من كل شيء فصارت مخاوفه امنا وبردا وسلاما
6 من ترك الكذب ولزم الصدق فيما ياتي ويذر هدي الى البر وكان عند الله صديقا ورزق لسان صدق بين الناس فسودوه واكرموه واصاغوا السمع لقوله
7 ومن ترك المراء وان كان محقا ضمن له بيت في ربض الجنة وسلم من شر اللجاج والخصومة وحافظ على صفاء قلبه وامن من كشف عيوبه
8 ومن ترك الغش في البيع والشراء زادت ثقة الناس به وكثر اقبالهم على سلعته
9 ومن ترك الربا وكسب الخبيث بارك الله في رزقه وفتح له ابواب الخيرات والبركات
10 ومن ترك النظر الى المحرم عوضه الله فراسة ضادقة ونورا وجلاء ولذة يجدها في قلبه
11 ومن ترك البخل واثر التكرم والسخاء احبه الناس واقترب من الله ومن الجنة وسلم من الهم والغم وضيق الصدر وترقى في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة (ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)
12 ومن ترك الكبر ولزم التواضع كمل سؤدده وعلا قدره وتناهى فضله قال فيما رواه مسلم في الصحيح: { ومن تواضع لله رفعه }
13 ومن ترك المنام ودفاة ولذتة وقام يصلي لله عز وجل عوضه الله فرحا ونشاطا وانسا
14 ومن ترك التدخين وكافة المسكرات والمخدرات اعانه الله وامده بالطاف من عنده وعوضه صحة وسعادة حقيقية لا تلك السعادة الوهمية العابرة
15 ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك عوضه الله انشراحا في الصدر وفرحا في القلب؛ ففي العفو من الطمانينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس وعزها وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام
قال فيما رواه مسلم: { وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا }
16 ومن ترك صحبة السوء التي يظن ان بها منتهى انسه وغاية سروره عوضه الله اصحابا ابرارا يجد عندهم المتعة والفائدة وينال من جراء مصاحبتهم ومعاشرتهم خيري الدنيا والاخرة
17 ومن ترك كثرة الطعام سلم من البطنة وسائر الامراض لان من اكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا
18 ومن ترك المماطلة في الدين اعانه الله وسدد عنه بل كان حقا على الله عونه
19 ومن ترك الغضب حفظ على نفسه عزتها وكرامتها وناى بها عن ذل الاعتذار ومغبة الندم ودخل في زمرة المتقين (الكاظمين الغيظ)
جاء رجل الى النبي فقال: يا رسول الله اوصني قال: { لا تغضب } [رواه البخاري]
قال الماوردي رحمه الله: فينبغي لذي اللب السوي والحزم القوي ان يتلقى قوة الغضب بحلمه فيصدها ويقابل دواعي شرته بحزمه فيردها؛ ليحظى باجل الخيرة ويسعد بحميد العاقبة
وعن ابي عبلة قال: غضب عمر بن عبدالعزيز يوما غضبا شديدا على رجل فامر به فاحضر وجرد وشد في الحبال وجيء بالسياط فقال: خلو سبيله؛ اما اني لولا ان اكون غضبانا لسؤتك ثم تلا قوله تعالى: (والكاظمين الغيظ) [ال عمران:134]
20 ومن ترك الوقيعة في اعراض الناس والتعرض لعيوبهم ومغامزهم عوض بالسلامة من شرهم ورزق التبصر في نفسه

قال الاحنف بن قيس رضي الله عنه: من اسرع الى الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون
وقالت اعرابية توصي ولدها: اياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضا وخليق الا يثبت الغرض على كثرة السهام وقلما اعتورت السهام غرضا حتى يهي ما اشتد من قوته

                                                قال الشافعي رحمه الله:
                         المرء ان كان مؤمنا ورعا * اشغله عن عيوب الورى ورعه
                         كما السقيم العليل اشغله * عن وجع الناس كلهم وجعه

21 ومن ترك مجاراة السفهاء واعرض عن الجاهلين حمى عرضه واراح نفسه وسلم من سماع ما يؤذيه (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) [الاعراف:199]
22 ومن ترك الحسد سلم من اضراره المتنوعة؛ فالحسد داء عضال وسم قاتل ومسلك شائن وخلق لئيم ومن لؤم الحسد انه موكل بالادنى فالادنى من الاقارب والاكفاء والخلطاء والمعارف والاخوان
قال بعض الحكماء: ما رايت ظالما اشبه بمظلوم من الحسود نفس دائم وهم لازم وقلب هائم
23 ومن سلم من سوء الظن بالناس سلم من تشوش القلب واشتغال الفكر فاساءة الظن تفسد المودة وتجلب الهم والكدر ولهذا حذرنا الله عز وجل منها فقال:( يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم) وقال : { اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث } [رواه البخاري ومسلم]
24 ومن اطرح الدعة والكسل واقبل على الجد والعمل علت همته وبورك له في وقته فنال الخير الكثير في الزمن اليسير
ومن هجر اللذات نال المنى ومن * اكب على اللذات عض على اليد
25 ومن ترك طلب الشهرة وحب الظهور رفع الله ذكره ونشر فضله واتته الشهرة تجرر اذيالها
26 ومن ترك العقوق فكان برا بوالديه رضي الله عنه ورزقه الله الاولاد الابرار وادخله الجنة في الاخرة
27 ومن ترك قطيعة ارحامه فواصلهم وتودد اليهم واتقى الله فيهن؛ بسط الله له في رزقه ونسا له في اثره ولا يزال معه ظهير من الله ما دام على تلك الصلة
28 ومن ترك العشق وقطع اسبابه التي تمده وتجرع غصص الهجر ونار البعاد في بداية امره واقبل على الله بكليته؛ رزق السلو وعزة النفس وسلم من اللوعة والذلة والاسر وملئ قلبه حرية ومحبة لله عز وجل تلك المحبة التي تلم شعث القلب وتسد خلته وتشبع جوعته وتغنيه من فقره؛ فالقلب لا يسر ولا يفلح ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن الا بعبادة ربه وحبه والانابة اليه
29 ومن ترك العبوس والتقطيب واتصف بالبشر والطلاقة؛ لانت عريكته ورقت حواشيه وكثر محبوه وقل شانؤوه
قال : { تبسمك في وجه اخيك صدقة } [اخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب]
من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

قال ابن عقيل الحنبلي: البشر مؤنس للعقول ومن دواعي القبول والعبوس ضده
وبالجملة فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه فالجزاء من جنس العمل (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره 7 ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) [الزلزلة:8،7]
                                 مثال على من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه:
واذا اردت مثالا جليا يبين لك ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه فانظر الى قصة يوسف عليه السلام مع امراة العزيز فلقد روادته عن نفسه فاستعصم مع ما اجتمع له من دواعي المعصية فلقد اجتمع ليوسف ما لم يجتمع لغيره وما لو اجتمع كله او بعضه لغيره لربما اجاب الداعي بل ان من الناس من يذهب لمواقع الفتن بنفسه ويسعى لحتفه بظلفه ثم يبوء بعد ذلك بالخسران المبين في الدنيا والاخرة ان لم يتداركه الله برحمته
  اما يوسف عليه السلام فقد اجتمع له من دواعي الزنا ما يلي:
1 انه كان شابا وداعية الشباب الى الزنا قوية
2 انه كان عزبا وليس له ما يعوضه ويرد شهوته
3 انه كان غريبا والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحيي منه بين اصحابه ومعارفه
4 انه كان مملوكا فقد اشتري بثمن بخس دراهم معدودة والمملوك ليس وازعه كوازع الحر
5 ان المراة كانت جميلة
6 ان المراة ذات منصب عال
7 انها سيدته
8 غياب الرقيب
9 انها قد تهيات له
10 انها اغلقت الابواب
11 انها هي التي دعته الى نفسها
12 انها حرصت على ذلك اشد الحرص
13 انها توعدته ان لم يفعل بالصغار

ومع هذه الدواعي صبر ايثارا واختيارا لما عند الله فنال السعادة والعز في الدنيا وان له للجنة في العقبى فلقد اصبح السيد واصبحت امراة العزيز فيما بعد كالمملوكة عنده وقد ورد انها قالت: سبحان من صير الملوك بذلك المعصية مماليك ومن جعل المماليك بعز الطاعة ملوكا
فحري بالعاقل الحازم ان يتبصر في الامور وينظر في العواقب والا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الاجلة الباقية
وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه.
ه اما من تركها مخلصا لله فانه لا يجد في تركها مشقة الا اول وهلة؛ ليمتحن اصادق في تركها ام كاذب فان صبر على تلك المشقة قليلا استحالت لذة وكلما ازدادت الغربة في المحرم وتاقت النفس الى فعله وكثرت الدواعي للوقوع فيه عظم الاجر في تركه وتضاعفت المثوبة في مجاهدة النفس على الخلاص منه

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة عباد الله 2016